في ذكراه الأولى :
الأديب عبدالوهاب الحسن .. حديث الذكريات
بقلم/أحمد الشملان
عندما تتناول شخصية عظيمة كشخصية الراحل الكبير عبدالوهاب الحسن فإنك لاتدري من أين تبدأ وإلى أين تنتهي ، فهي شخصية جامعة لكل معاني العظمة والتميز ، وأظنني لا أجانب الصواب عندما أبدأ بالحديث عن عبدالوهاب الحسن الإنسان الذي تجسدت الإنسانية في شخصيته الجاذبة و حديثه الطيب وروحه المرحة ، وفي سمو أخلاقه ، ومن خلال علاقته بأخيه الإنسان التي بناها على مبدأ الإنسانية والمحبة وحسب ، فأحب الجميع كأخوة وأصدقاء فكثر أصحابه وازداد محبوه واتسعت جغرافيتهم .
وهو المثقف والأديب والشاعر ، عصامي الثقافة ؛ لأنه قارئ نهم ، استبطن كتب الثقافة عموما و اللغة والأدب والشعر بشكل خاص ؛ فكان ذلك رافدا كبيرا لشعريتة الأصيلة التي كان عنصر الوراثة حاضرا فيها أيضا ، إذ كان والده المرحوم الملا أحمد الحسن شاعرا كذلك ؛ لذلك سرت الكلمة الشعرية على لسانه بكل سلاسة لتلامس أسماع المتلقي وتتسلل إلى قلبه وفكره ، يستأنس بها ويرتاح لها ، ويعمل ذهنه في تدبرها وتحسس مواطن الإبداع فيها وفي معانيها وصورها وخيالها . كنت لا أملّ تكرار الاستماع إلى ما يرسله إليّ من مقاطع صوتية لبعض قصائده الجميلة بإلقائه الآسر ، ليفاجئني في كل مرة بموطن إبداعي جديد لم ألتفت إليه في المرة السابقة فأزداد إعجاباً بالنص وصاحبه ، وهكذا يكون الأدب الأصيل ليبقى حيا على الدوام . في إحدى المرات أرسل إليّ نصا بعنوان ( يا من أنتِ تعنيني ) فاستمعتُ إليه مرارا وتكرارا ، فأرسلت إلى شاعرنا تعليقا تضمن قراءة أدبية مختصرة في النص ، فرد عليّ شاكرا ومعلقاً برسالة يتجلى فيها تواضعه المعهود ، فيبدأ بقوله ( ابني وأستاذي أحمد ... ) ويا لها من ثنائية عجيبة !! فنحن أبناؤك نعم وتلاميذك أيضا ، لكنها النفس الكبيرة التي ترفض الأنا لترفع شأن الآخرين وتعلي قدرهم .
في زيارته الأخيرة لي _ وكانت بصحبة الأخوة الأستاذ جابر الخلف ومحمد المهنا ويحيى الأحمد _ آلمني كثيرا حينما رأيته يحمل معه الجهاز الذي يساعده على التنفس ، فسألته ممازحا : وما ذاك بيمينك يا أبا أحمد ؟ فأجابني : هو جهازي ، أتنفس به ، وأبرّد به على قلبي ، ولي فيه مآرب أخرى . ابتسمت له ، وفي داخلي ألم يعتصرني وحسرة تؤرقني ، وأنا أرى متاعبه الصحية تزداد في كل مرة ألتقيه فيها عمّا قبلها. تحدثنا كثيرا في تلك الليلة أحاديث الثقافة والأدب والشعر ، وروى بعضها عن مجالس آبائنا وأجدادنا الأدبية وأثنى كثيرا على أخلاقهم ، وكان شديد الفخر والاعتزاز بهم ، كانت ليلة ماتعة_ ككل لياليه _ وفي اليوم التالي أرسلت له رسالة أشكره فيها ، وأطلب منه ألا تكون هذه الزيارة وِترا في ليالينا وعليه أن يشفعها بزيارات أخرى ، لكن المرض لم يرأف به وازداد قسوة عليه حتى أحكم قبضته عليه ، فكان رحيله - في مثل هذا اليوم - مرا وقاسيا .
وفي ختام هذه السطور ، أكرر ندائي إلى أبنائه الكرام ومحبيه بضرورة الاهتمام بإنتاجه الفكري والأدبي ، فاذا كان الإعلام قد قصّر كثيرا في حق الشاعر ولم يعطه ما يستحقه من الاهتمام ، فإن علينا جميعا تقع مسؤولية إخراج هذا الإنتاج إلى النور بجمعه وطبعه ونشره ؛ ليبقى شاهدا على أديب فذ وشاعر مبدع هو عبدالوهاب الحسن .
تعليقات
إرسال تعليق
نادي النورس يدعوك للمشاركة في المدونة وذلك عبر إرسال المشاركة عبر الإيميل ليتم نشرها بالمجلة
alhasagull@hotmail.com